الصحافة

في عاصمة "البوتوكس" لا مُصالحة مع الزمن... وثروات تدفع للتحايل عليه

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

 

ربى أبو فاضل - الديار

بالرغم من الأزمات المتتالية التي يمر بها لبنان منذ عام 2019، مع بداية الأزمة الاقتصادية التي انهكت البلاد وأدت إلى أنهيار كبير على كافة الصعد، تتخذ عمليات التجميل منحى تصاعديا، في ظل إقبال الرجال والنساء عليها على حد سواء بشكل غير مسبوق. فصناعة الجمال لم تعد حكراً على فئة إجتماعية معينة، ولا مجرد حاجة طبية يستخدمها بعض من يعاني من تشوهات ظاهرة او مخفية، بل اصبحت ثقافة عامة تدرجت شيئاً فشيئاً، لتتصدر قائمة الأولويات لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين، وكأن لا همّ عندهم سوى الاعتناء بالمظهر الخارجي، هروبا من الواقع الصعب الذي تمر به البلاد.

يذكر أن الطب التجميلي يتمثل بمجموعة أعمال طبية، تهدف إلى التدخل لتحسين مظهر الشخص الخارجي، ويشمل التخفيف من آثار الشيخوخة عبر استخدام مجموعة من التقنيات وأوجه التدخل الطبي.


في انهيار هو الأسوأ من نوعه في تاريخ البلاد منذ استقلالها عام 1943، يشهد الاقتصاد اللبناني منذ عام 2019 أزمات حادة أدت إلى انهياره وتدهوره بصورة كبيرة، حتى وصفه خبراء واختصاصيون حول العالم بـ"انهيار القرن"، ولكن بالرغم من ذلك كله، لم يشهد قطاع جراحات التجميل في لبنان انتكاسة مدوية، بل استمر في الازدهار. ولطالما عرف لبنان بانتشار عيادات جراحات التجميل، التي تجتذب إليها اللبنانيين والسياح من دول كثيرة وبأسعار منافسة، حتى لقبه الكثيرون بـ"عاصمة البوتوكس" في الشرق الأوسط.

عمليات تجري في السرّ

العديد من الإحصائيات الرسمية التي نشرتها في وقت سابق وسائل الإعلام اللبنانية، كشفت بأن عدد عمليات التجميل التي تجرى في لبنان سنوياً تتراوح ما بين 19 و20 ألف عملية، لكن الأرقام تتجاوز ذلك بكثير بحسب العديد من المصادر، مرجحين ذلك إلى أن العديد من العمليات لا تزال تجرى إلى اليوم بسرية، ضمن عيادات غير مرخصة أو اطباء غير مختصين، وتبعا لتلك الارقام احتل لبنان المرتبة الثانية في العالم بعد البرازيل بالنسبة إلى عدد السكان، في نسب الجراحات التجميلية.

هذه الثقافة الجديدة التي طغت في مجتمعنا، لها أسباب عديدة بحسب ما أكده طبيب مختص بالتجميل، فضل عدم ذكر اسمه، "ثقافة الجمال موجودة في كل مجتمع وكل عصر، لكن الهوس في التشبه بالغرب، وتحديداً نجوم الفن، زاد في الآونة الاخيرة عند اللبنانيات، فأصبح لدى كل امرأة رغبة في ان تشبه نجوم الفن، ما ادى بهن الى خوض غمار عمليات التجميل"، لافتاً إلى ان "الأمر لا يتعلق بالنساء اللبنانيات فحسب، بل بالعربيات أيضاً".


وعبّرعن صدمته من طلبات البعض قائلا "البعض وصل به الحد أن يرني صوراً له على الهاتف معدلة عبر "الفلتر"، ويريد الوصول إلى هذه الإطلالة في الواقع، لكن "الفلاتر" غير طبيعية فهي تزيد من حجم عيني الشخص، وتغير شكل الوجه، ناهيك عن طمس العيوب التي لا يمكن إزالتها بالكامل - إذ لن يتمكن الوجه من التعبير عن أي عاطفة ببساطة".

الصراع والتفاعل

في علم النفس، إن المبالغة والهوس بأي شيء مهما كان نوعه، مراده عدم الثقة بالذات، وظاهرة التجميل هذه تفشت في المجتمعات الغربية كما الشرقية، وطالت الرجال كما النساء، وأدت إلى إقبال كبير على إجراء التدخلات والجراحات التجميلية. ويدرج علم النفس تعلق الشخص وهوسه بعمليات التجميل ضمن نظرتين: الصراع والتفاعل، ويقصد بالصراع أي المنافسة التي غالبا ما تكون ناجمة عن ضعف في الثقة بالنفس، أما التفاعل فمراده غياب الرقابة الأسرية والمعايير المهنية، إضافة إلى تأثر المرء بالبيئة التي ينتمي إليها وبمحيطه الاجتماعي.

الأخصائية في علم النفس إليسا السقلاوي أكدت أن "أفراد العائلة مسؤولون بالدرجة الأولى عن بناء الثقة لدى الفرد، وفي حال غياب هذا العنصر في المنزل نكون أمام إضطراب نفسي BDD (body dysmorphic disorder)، وهذه الحالة تصنف كمرضٍ نفسي يؤدي إلى جعل المصاب في حالة تفكير دائم حول جسده وحول الجمال الخارجي، وبأمور يمكن أن تكون واقعية أوغير واقعية". واكدت ان "هذه الحالة التي تنتج عن ضعف الثقة المبنية في المنزل، ويمكن أن تتزايد وتؤدي إلى حالة من الإكتئاب،  وحتى إلى الإنعزال عن المجتمع، ومن الممكن أن تؤدي إلى الهوس الذي ينتج عنه التوجه إلى التعديل الجسدي ليتناسب مع الأفكار الغير سليمة، وهذا بدوره حالة صحية خطيرة، خصوصاً في حال توجه المرأة مثلاً للقيام بعملية تجميل تأثراً بالموضة أو بالنجوم، أو تحت تأثيرtrend، وهنا تصبح المشكلة حكماً ضمن الإطار "النفسي"، وهي بحاجة إلى علاج".

عمليات التجميل تنافس لقمة العيش

جراحة التجميل والمظهر الجميل في لبنان، أصبحت اليوم شائعة بين اللبنانيين وتنافس لقمة العيش، فالمظهر الأنيق يبقى أولوية لدى اللبناني "يلي بيدين ليتزين"، لو اضطره الأمر إلى ذلك. ويعتبر بعض الباحثين أن الاندفاع المتزايد باتجاه الطب التجميلي، يندرج في إطار رفض الشيخوخة.

وفي هذا السياق، أكدت زينة أنها تقوم كل 6 أشهر بحقن "البوتوكس والفيلر" لإزالة آثار التقدم في السن، وهذا ضروري بالنسبة لها ولا يقل عن الأساسيات، مضيفة "أدفع مبالغ كبيرة في الوقت الذي أعلم أن الكثيرين في ظل هذه الأزمة تقتلهم الحاجة، لكن لو لم تخترع هذه الحقن لتقبلت نفسي وتأقلمت مع علامات الكبر".


أما رشا، وهي موظفة في إحدى الشركات الخاصة، فتقول" من المهم للمرأة أن تهتم بشكلها الخارجي، وتعطي لنفسها ما تستحق لتكون مقبولة في المجتمع، وانا شخصيا قمت بعدة عمليات لأصبح على ما انا عليه اليوم". اما عن التكاليف فتؤكد رشا أنها اخذت سلفة على راتبها لتأمين المبلغ المطلوب.
 
 
بدورها، تؤكد رهام أنها قامت بـ 10 عمليات تجميل لترضى عن نفسها، ولا يهمها التكلفة المادية طالما أنها ستأخذ النتيجة المرجوة.

يذكر أن البنوك اللبنانية في السابق، وتحديداً قبل الأزمة الاقتصادية، منحت قروضاً تسمى بـ"قرض الجمال" لمساعدة اللبنانيين على تغطية مصاريف عمليات التجميل، هذه القروض دفعت الكثيرين من اللبنانيين إلى طلبها ولو على حساب حاجات أساسية أخرى، خصوصاً أن هذا القرض لا يحتاج إلى اكثر من هوية وإفادة دخل.

...الرجال ايضاً

عمليات التجميل لا تتوقف عند النساء فقط، بل يطرق الرجال أيضا باب عمليات التجميل غير الجراحية، ربما لإصلاح مظهر اجسامهم، وربما لرغبة منهم في مظهر مفتول العضلات وغيرها من التطلعات، لكنهم يتجهون بمعدلات أقل نحو الجراحات التجميلية. فالرجل قد يجري عملية تجميل أنف، فيما يتجه بمعدل أقل نحو جراحات أخرى.

زاهر، وهو شاب اربعيني، تعب من التنمر على انفه الكبير من أصدقائه، مما دفع به الأمر إلى اللجوء لعملية تصغير الأنف، رغم أن وضعه المادي لا يسمح له بحسب ما أكد، لكنه اضطر إلى الاستدانة والقيام بهذه العملية.


أما فؤاد الذي خضع لعملية زراعة الأسنان، أكد أنه رغم الضائقة المالية التي ضربت البلاد، فإن الترتيب والجمال يبقيان حاجة أساسية للجميع، "وأنا واحد منهم، حيث ادخرت المال من راتبي واجريت العملية"، والكثير من أصدقائه يدخرون المال من راتبهم، لتحسين المظهر الخارجي.

حقل السياحة العلاجية يبلغ

 40 مليار دولار في العالم

وبحسب تقرير صادر عن "الجمعية الدولية لجراحة التجميل"، زادت عمليات التجميل منذ العام 2020 بنسبة 41%، وبلغ عدد العمليات التجميلية التي أجريت في جميع أنحاء العالم في عام 2023 أكثر من 33 مليون عملية، بزيادة قدرها 11.2% عن العام الذي سبقه، وتتعلق هذه الإحصائيات بالمراكز المرخصة والعمليات التي يتم التصريح عنها، بينما قد تكون الأرقام الحقيقية أكبر بكثير.

عمليات التجميل باتت تخلق وجوهاً متشابهة، في عالم غاب فيه تقدير الجمال المتنوع، فإنك لو القيت نظرة على الوجوه حولك، ستجد العيون متشابهة لكل الناس، مائلة إلى أعلى بالطريقة نفسها، ولا يخلو وجه من الشد والنفخ والرفع والتكبير والتصغير، سعياً للوصول إلى جمال مثالي.

كانت عمليات التجميل في لبنان تشكل في السنوات الماضية سياحة خدماتية من نوع آخر، فشهرة أطباء التجميل اللبنانيين التي وصلت الشرق والغرب، شجعت النساء في الخليج العربي والأردن وسوريا، على اختيار عيادات ومستشفيات لبنانية للقيام بهذا النوع من العمليات الجراحية، ووفقًا للبحوث التي أجراها البنك الدولي، فإن حقل السياحة العلاجية يبلغ 40 مليار دولار في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 10 مليارات دولار لمنطقة الشرق الأوسط ولبنان، التي تعتبر منصة إقليمية للرعاية الطبية، وتمثل الجراحة التجميلية أكثر من 70% من السياحة العلاجية فيها.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا